التاريخ : 10/04/2007
واهجروهن في المضاجع واضربوهن
قال تعالى ( ... الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، إن الله كان عليا كبيرا ... )
نأخذ الجزء الأول من قوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ) فهذه الآية تنقسم إلى قسمين ، القسم الأول ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي أن الله فضل الله الرجال على النساء بأمور ، وبهذا التفضيل جعل القوامة عليهن ، فهذه قوامة ناتجة عن التفضيل ، والقسم الثاني من قوله تعالى ( وبما أنفقوا من أموالهم ) أي بتعبير آخر [ والرجال قوامون على النساء بما أنفقوا من أموالهم ] أي أن القوامة ناتجة أيضا عن الإنفاق الذي أنفقوه عليهن .
ــ القوامة الناتجة عن التفضيل
ما هو هذا التفضيل الذي فضل الله به الرجال على النساء .
إن بمجرد عقد الزواج بين الرجل والمرأة يفرض على الزوجين ميثاقا أو قانونا ، وهذا القانون يكمن في
[ ما أنزل الله ] فكل ما أنزل الله في الحقوق والواجبات الزوجية يفرض عليهما ويلزمهما بمجرد عقد النكاح بينهما ، فعند النزاع والخلاف يفرض الرجوع إلى هذا القانون ، وهو الذي يتم به الفصل بينهما ، وضمن هذا القانون نجد أن الله قد فضل الزوج على الزوجة بعدة أحكام ، فقد منح حق الأبناء للآباء فالأولاد ينسبون للآباء ، وفي حالة الطلاق يأخذ الزوج الأبناء ، وتقوم الزوجة بالرضاعة مقابل النفقة عليها من أكل وشراب وكسوة ، وقد فضل الله الزوج بأن منحه حق العدة ، فالمطلقة تعتد لحق الزوج أي عليها أن تبقى في البيت طيلة العدة ، وهذا من حق الزوج عليها لقوله تعالى ( ... يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ... ) إذن فالعدة هي من حق الزوج ، وقد فضل الله الزوج بأن منحه حق الطلاق وهو الذي له الحق بأن يمسكها أو يسرحها أثناء العدة ، لقوله تعالى ( ...وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ... ) وقد فضل الله الزوج بأن منحه حق تعدد الزوجات في حين لا يحق ذلك للزوجة ، وفضل الله الرجال بالزواج من أهل الكتاب في حين لا يجوز ذلك للنساء ، وهناك فضائل أخرى كالميراث وغيره والتي لم أتطرق إليها ، فهذه الفضائل التي منحها الله للرجال هي التي جعل بها القوامة على النساء ، وذلك قوله سبحانه ( ... الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ... ) فالتفضيل ما أعطاه الله من حقوق للرجال على النساء ، فالتفضيل يكمن في الحقوق ، أما في غير الحقوق فقد تجد امرأة أفضل من زوجها ، فقد تكون أقوى منه ، وقد تكون أصح منه بدنا ، وقد تكون أعلى منه ثقافة ، وقد تكون أذكى منه ، فلا تتحول القوامة إليها بهذه الفضائل ، بل تبقى القوامة له بما فضل الله به عليها من الحقوق .
ــ القوامة الناتجة عن نفقة المال
( وبما أنفقوا من أموالهم ) ما هو هذا الإنفاق الذي أنفقه الرجال والذي تتم به القوامة على النساء .
فالزواج بين الرجل والمرأة يتم عن عقد ، وفي هذا العقد يقدم الرجل للمرأة أجرا والذي يسمى بالمهر ، وهذا الأجر هو مقابل الاستمتاع بها لقوله تعالى ( ... فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ... ) وهذه الآية ليست في زواج المتعة كما يقال ، وإنما المعنى إذا وقع الاستمتاع حق الأجر والأجر كله ، فالمهر مرتبط بالاستمتاع ، فإذا وقع الاستمتاع وجب دفع المهر ، لقوله تعالى ( ... وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ... ) أي ما لم يتم المس ووقع الطلاق فيحق نصف المهر ، أما إذا وقع المس حق المهر كله ، وفي الآية الأخيرة ذكر الله المهر بقوله فريضة ، لكن في ألآية ( ... فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ... ) ذكر المهر على أنه أجر ، وذكر ما يقابل ذلك الأجر ، والأجر يقدم مقابل شيء ، وقد بينه الله في الآية بأنه مقابل الاستمتاع ، وبين أن هذا الأجر فريضة من الله ، ويجب أن يكون ولو كان شيئا رمزيا ، ويجب دفعه ولو كان قنطارا ، وهذا الأجر هو الذي يمنح الرجل حق الاستمتاع بزوجته أنى يشاء لقوله سبحانه ( ... نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ... ) وعلى الزوجة طاعته وتلبية حاجته في ذلك طاعة لله ، وهي ملزمة بذلك ، وقد ألزمها الله بذلك الأجر الذي فرضه الله لها ، وهذا المهر هو الذي تتم به القوامة على النساء في ما يخص العلاقة الجنسية ، فالرجل هو الذي يسير العلاقة الجنسية ، ولا يعني بهذا أنه يمكنه الجفاء على المرأة ، بل له قوانين أخرى تضبطه في هذا الجانب كقوله تعالى ( ... وعاشروهن بالمعروف ...) أو كقوله ( ... فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ... ) وهذا مما يضبط تسيير العلاقة الجنسية ، فالعلاقة الجنسية جعلها الله بيد الرجل وهو الذي يسيرها ، وهو الذي أعطاه الله القوامة عليها ،
وقد أنفق مالا في ذلك ، وذلك قوله سبحانه ( ... الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ... ) فالإنفاق الذي ذكرته الآية والذي جاء في قوله ( وبما أنفقوا ) أي أنفقوا في الماضي وهي المهور التي أنفقوها ، ولم يأت قوله بعبارة ( ينفقون ) الذي يفيد الاستمرار في الإنفاق ، والذي هو الإنفاق اليومي على العيال ، فهذا الإنفاق ليس هو المقصود ، وقد تكون الزوجة ثرية وزوجها فقير ، وتكون هي التي تقوم بهذا الإنفاق اليومي على العيال ، ومع ذلك فلا تملك حق القوامة على الرجل ، بينما هذه الزوجة الثرية عند عقد زواجها من هذا الرجل الفقير ، فلا بد وأنه قدم لها أجرا يمكنه التحليل منها ولو كان رمزيا ، وهو فريضة فرضها الله أن تكون ولو كانت غنية وهو فقير ، وهذا الأجر الذي أنفقه عليها هو الذي تتكلم عنه الآية والذي تنتج عنه القوامة عليها رغم غناها ، وهو الذي يمنحه حق القانون الذي أنزله الله في قوله ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وهذا الأجر هو الذي يبقى ساري المفعول مهما تطورت أحوال الزوجين من فقر وغنى ، وهذا الإنفاق الذي أنفقه أول مرة هو الذي تطالب به المرأة إذا انفصلت عن زوجها ما لم ترد العيش معه لسبب من الأسباب ، ولنأخذ مثلا أن أحد الزوجين غير اعتقاده فأصبح كافرا بما أنزل الله ، وبالتالي أصبح أحدهما لا يحل للآخر ، وانفصل كل منهما عن الآخر ، وانقطعت القوامة التي كانت له عليها ، فوجب على المرأة أن ترد له ما أنفق عليها ، وماذا أنفق عليها ؟ إنه المهر الذي أنفقه أول مرة ، القانون ، قوله تعالى ( ... يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، واسألوا ما أنفقتم ، وليسألوا ما أنفقوا ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم ... ) تأمل جيدا هذا الجزء من كلام الله ، وأبدأ بملاحظة صغيرة ، وهي قوله ( ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ) أنظر إلى عبارة ( أجورهن ) للتأكيد على ما قلناه سابقا من أن المهر هو أجر مقابل الاستمتاع ، نعود الآن لمجمل للآية ، والتي تبين أنه لما تحول الوضع الزوجي وأصبح أحدهما كافر والآخر مؤمن لم يعد أحدهما يحل للآخر وهذا واضح في قوله ( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) فالعلاقة الزوجية أصبحت محرمة بينهما ، مما يستوجب الانفصال عن بعضهما ، والذي يزيد تأكيدا على هذا الفصل قوله ( فلا ترجعوهن إلى الكفار ) ويترتب على هذا الانفصال الذي قررت الزوجة بأن تنفصل به عن زوجها فخرجت من البيت أن ترد له المهر الذي أنفقه عند العقد أول مرة ، وذلك ما جاء في الآية بقوله ( واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ) أي فطالبوا بمهور نسائكم ، وليطالب الكفار بمهور نسائهم ، فالكل يطالب بمهر زوجته التي ذهبت عنه ، فالإنفاق الذي تتكلم عنه الآية هذه هو الذي تتكلم عنه آية القوامة ، أي أن الإنفاق المقصود هو المهور التي تنفق عند عقد الزواج ، وهي التي تتم بها القوامة على النساء من الناحية الجنسية ، ويليها تبعا لها القوامة الناتجة عن التفضيل ، وهذا ما جاء في قوله سبحانه ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) وهذه القوامة ، وهذا التفضيل ، وهذه المهور ، كلها تقول شيئا واحدا ، وهو أن على النساء أن يطعن الرجال
( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) هذا هو التوجيه الذي أرشد الله به النساء ( فالصالحات ) القصد منه العمل الصالح ، ومن ذلك العمل الصالح اتباع ما أنزل الله في حق الرجال ، وأن يكن ( قانتات ) لله ولأزواجهن ، أي مطيعات لله ولأزواجهن ، إذن فعليهن أن يطعن أزواجهن ، وأن يكن ( حافظات للغيب بما حفظ الله ) وهذا تحذير من ارتكاب الفاحشة ، وهذا التوجيه الذي أنزله الله في حق نساء المؤمنين هو نفسه الذي وجه به نساء النبي عندما وقعن في خلافات زوجية مع النبي ، فأنزل عليهم يقول ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً{28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً{29} ثم أرشدهم بما قلناه سابقا ، فأنزل يقول( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{30} وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً{31}
فقد حذرهن من ارتكاب الفاحشة والذي هو في آية القوامة [ بالحافظات للغيب ] ثم حثهن على أن يقنتن لله ورسوله والذي هو في آية القوامة مذكور [ بالقانتات ] ثم حثهن على العمل الصالح والذي هو في آية القوامة
مذكور [ بالصالحات ] فدائما هو نفس الإرشاد ، التحذير من ارتكاب الفاحشة ، والعمل الصالح مع التنبيه على حق الأزواج بأنه من العمل الصالح ، ثم القنوت وهو الطاعة لله والأزواج ، وكل هذا في طاعة الله وبأمر من الله .
فبعد التوجيه الذي قدمه للنساء ، أنزل يقول ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) فالآية تتكلم عن خوف من النشوز وما يجب فعله ف يمثل هذه الأحوال ، ولكي أوضح معنى النشوز أضرب مثلا بالرجل والمرأة جالسين على الحدود التي أنزلها الله في شأن الزوجين ، وهذا يعني أنهما ملتزمين بهذه الحدود ، فإذا قام أحدهما وبقي الآخر جالسا فذاك يعني أنه نشز ، أي قام عن الحدود التي كان ملتزما بها ، وتنصل منها وتركها ، ولم يعد يبالي بها تماما ، بينما الطرف الآخر جالس ، يعني ملتزم بها ، هذه هي الصورة التقريبية لفهم النشوز ، وهذا الوضع هو أخطر الأوضاع ، التخلي عن الحدود كليا ، وهذا الذي يخاف عليه ، من كلا الجانبين ، فإذا كان الخوف عليه من طرف الرجل ، فالحل يكمن في قوله سبحانه
( ... وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ... ) هذا بالنسبة لنشوز الرجل ، وإذا كان الخوف من نشوز المرأة ، فالحل يكمن في قوله تعالى ( ... واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ... ) هذا بالنسبة لنشوز المرأة ، وإذا كان الخوف على الحدود من الاثنين ، فالحل هو قوله تعالى ( ... وإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما في ما افتدت به ... ) وهذا يعني التفريق بينهما بدل الوصول إلى تعد الحدود ، إذن فالحدود هي التي يخاف عليها من التعدي بالتخلي عنها كليا وهو النشوز ، نعود الآن للآية الخاصة بالموضوع يقول تعالى ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) إذن فالذي يخاف عليه الرجل من أن تصل إليه المرأة هو النشوز ، ويبدأ هذا الوضع بالتجاوزات إلى أن يصل إلى تعد الحدود كلها ، فيجب الحرص كل الحرص إلى عدم الوصول إلى هذا الخط الأحمر ، إذن عندما يرى الرجل أن المرأة دخلت مرحلة التجاوزات فعليه أن يتدارك الموقف ، وقد أرشد الله إلى تقديم الوعظ والهجر في المضجع والضرب ، وبطبيعة الحال تأتي هذه الأمور تدريجيا ، فالموعظة تكون تصب في التذكير بما يعيد طاعة المرأة لزوجها ، وبأنها طاعة لله ، وأن معصيتها لزوجها هي معصية لله ، فالموعظة كافية جدا بأن تعود المرأة المؤمنة بما أنزل الله إلى طاعة زوجها ، فعندما لا تفيد الموعظة ولا تعود الطاعة أرشد الله بأن هناك الهجر في المضجع كعقاب نفسي ، وهذا كاف جدا للقليلة الإيمان بالتنزيل بأن تعود لطاعة زوجها ، وإذا لم ترجع الطاعة في الميدان بالموعظة وباستعمال العقاب النفسي أعطى الله الضوء الأخضر بأن تضرب المرأة ، وهو ما جاء في قوله تعالى ( ... واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ... ) كل هذا من أجل استتباب الطاعة وعدم الوصول إلى النشوز وهذا يعني أن الضرب الذي أرشد الله إليه يأتي نتيجة عصيان تريد المرأة الإصرار عليه ، رغم تحذيرها لذلك ، والضرب هو الضرب المعروف كقوله تعالى في إبراهيم لما حطم الأصنام بضربها ، يقول تعالى ( ... فراغ عليهم ضربا باليمين .. ) فالضرب يعني الضرب المعروف ، أو كقوله لموسى ( ... وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر ... ) وضرب الحجر هنا ليس بالضرورة أن يرفع العصا إلى أقصاها ليكون ذلك ضربا ، بل رفعا خفيفا ويسمى ذلك ضربا ، كما قال تعالى لموسى في البحر ( ... فقلنا اضرب بعصاك البحر ... ) فضرب البحر بالعصا لا يعني أن يرفع العصا إلى أقصاها ، بل مجرد أي حركة بها تسمى ضربا ، إذ لا يمكن أن يضرب البحر بالعصا ، ونفس الشيء عندما قال له في قضية البقرة وإحياء الميت بضربه بجزء من البقرة ( ... فقلنا اضربوه ببعضها ... ) فضرب الميت هنا لا بد وأن يكون ضربا خفيفا ، فهذه الأنواع المذكورة من الضرب كلها رمزية ، فالضرب ولو رمزيا يعد ضربا كقوله تعالى لأيوب ( ... وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ... ) إذن فالضرب الذي أرشد الله إليه في النساء يهدف لإعادة الطاعة ، بأن يكون ضربا يجلب الطاعة ، فالضرب الذي يجلب الطاعة ذلك هو الضرب المعني ، ويتفاوت من امرأة لأخرى حسب طبيعة كل منها ، وعلى المرأة أن تكون عالمة بهذا القانون ، فقد أنزله الله ليعلم به الجميع ، فإذا رأت الزوجة أن الزوج قد استعمل معها العقاب النفسي أي الهجر في المضجع ، فلتعلم أن المرة المقبلة أرشده الله بأن يضربها ، فعليها أن تطيع زوجها ، وإذا رأت أنها لا تريد طاعته وبالتالي لا تلتزم بالحدود التي أنزلها الله فيمكنها أن تفدي نفسها بأن تعيد عليه من المهر ما يرضيا به وتطلب منه الطلاق ، يقول سبحانه ( ... ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما في ما افتدت به ... ) فليس بالضرورة أن يصل الأمر إلى الضرب إلا أن يكون هناك إصرار على تعد الحدود التي أنزلها الله ، وإذا كانت المرأة ترى بأن الرجل هو الذي يجب إيقافه عند الحدود ، وبالطبع هو لا يرى ذلك ، أو كان الوضع بالعكس بأن تكون المرأة خائفة من نشوز زوجها ، كأن يصبح الرجل لا يبالي بالزوجة أو تزوج امرأة ثانية وظهر الفرق كبيرا في التعامل بينهما فعندئذ يجب دفع العجلة نحو الصلح والتصالح ، ولو بالاستعانة بحكمين أو عدلين أو أي تدخل لا يخالف التنزيل ، ودائما بأن تكون المبادرة من الزوجين دون إكراه لأحدهما ، فيجب التركيز على الصلح بالتفاهم داخليا أو بالاستعانة الخارجية بأن يكون كل الجهد منصبا نحو الصلح أو التصالح وذلك قوله سبحانه ( ... وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ، والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ... ) وفي غالب هذه الأحوال يستدعي الصلح أن يكون هناك تنازل عن بعض الحقوق من أحد الطرفين أو كلاهما ، فقد أجاز الله للطرفين أن يتنازلا ، ورفع الحرج بأخذ أحدهما من الآخر ما تنازل عنه من أجل الإصلاح ، وذلك قوله سبحانه ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ) فقوله ( فلا جناح ) هو لرفع الحرج في التنازل وفي الأخذ ما تنازل عنه ، بل دعم هذا الجانب أي جانب التنازل بقوله ( وأحضرت الأنفس الشح ) أي أن النفس شحيحة لا تحب التنازل ، وفي آخر المطاف إذا فشل الصلح ولم تكن هناك نية لذلك وتدهورت الأوضاع يأتي قوله تعالى في سياق الآية الأخيرة ( ... وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا عليما ... ) إذن علينا أن نعرف ماذا يريد الله منا ، فإذا تتبعت ما كنا نقول ترى بأن الله يدفع بالناس إلى تحسين الأوضاع ، ففي الآية الأخيرة ترى بأن الصلح هو الهدف المنشود ، وفي آية القوامة ترى بأن الله كان يرشد إلى التأني واستعمال الطرق السلمية من والوعظ والهجر في المضجع إلى الوصول إلى الضرب ، والآن أحاول أن أتكلم عن الضرب الذي هو بيت القصيد .