( ... لتعلموا عدد السنين والحساب ... )
قال عز وجل ( ... هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ، ما خلق الله ذلك إلا بالحق ...)
ــ لو سلمنا بالأمر جهلا بالتنزيل على أن الآية تدل على استعمال النظام القمري لقلنا بما يقابلها في استعمال النظام الشمسي بالآية الموالية :
قال سبحانه عز وجل ( ... وجعلنا الليل والنهار آيتين ، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب .. ) أنظروا جيدا للآية ، فإنها ترمز للشمس وحدها دون ذكر القمر ، وتقول أن ذلك [ لنعلم عدد السنين والحساب ] نفس الشيء كما جاء في الآية الأولى التي تقول هي أيضا [ لنعلم عدد السنين والحساب ] علما أن الآية الأولى تذكر الشمس والقمر وليس القمر وحده ، على عكس الآية الثانية فإنها ترمز للشمس وحدها دون ذكر القمر .
ــ أليس هذه الآية دليلا على النظام الشمسي ؟
ــ ولماذا لا تذكرونها في جدالكم عن شهر الصيام ؟
ــ هل ذكر الله الكيفية التي نعد بها ونحسب بها ؟
ــ كيف نعلم عدد السنين والحساب في الآية الثانية ؟ توضيح ذلك .
ــ هل السنين التي ذكرها الله في الآية الأولى تختلف عن السنين التي ذكرها في الآية الثانية ؟ أم هي السنين نفسها ؟
ــ إذا كانت هي السنين نفسها ألا يعني ذلك أنها ثابتة ؟
ــ ما دامت السنين هي نفسها ، أي ثابتة فهل من المفروض على النظامين أن يعطيا نفس النتيجة أم لا ؟
ــ ما هي السنة إذن ؟ تعريف السنة التي نريد تعديدها ؟
ــ فإذا وجدنا النظامين قد أعطيا نتيجة مختلفة فهل الخلل في النظام أم في مستعمل النظام ؟
ــ فإذا كان الخطأ متعمدا ألا يدل على أن المستعمل جاهل ؟
ــ عندما قال الله ( لتعلموا عدد السنين والحساب ) هل أرشد إلى العلم أم إلى الجهل ؟
ــ فإذا أنسب هذا الجهل لله عز وجل بأنه هو الذي أمر به أليس هذا منكر من القول وزور وافتراء على الله ؟
ــ ومن ينسب هذا الجهل إلى الله ألا يدخل في زمرة الذين قال الله فيهم ( .. إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا .. ) فهل هؤلاء يحبهم الله أم يمقتهم ؟
ــ هل أدرج الله التشريع داخل النظامين ؟
ــ فمن أدرج التشريع داخل النظام القمري المستعمل استعمالا جاهليا ، من أدرج التشريع داخله ؟
ــ هل كان هذا الجهل على عهد التنزيل أم بعد انتهاء التنزيل وغياب النبي ؟
ــ فهل كان هناك نظام على عهد التنزيل ؟ وهل كان التشريع بداخله ، فدلونا عليه ؟
أ ) أبدأ الآن في توضيح الآيتين .
قال عز وجل ( ... هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ...)
قال سبحانه عز وجل ( ... وجعلنا الليل والنهار آيتين ، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب .. )
ــ إن كلا من الآيتين إخباريتين
إن كلا من الآيتين تفيد الخبر ولا تنص على التشريع لا فيها أمر ولا نهي عن شيء ، كل ما فيها أن الله يخبرنا ويذكرنا بفضائله علينا ، فهو يخبرنا عن ما جعله في الشمس والقمر والليل والنهار من فوائد لصالحنا ، ومن تلك الفوائد ذكر تعليمه إيانا الحساب وعد السنين .
ــ الحساب وعد السنين كان ساري المفعول قبل نزول القرآن
إن علم الحساب وعد السنين هو من الفوائد العامة لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم لا علاقة له بتشريع الصيام فيه ، فلما نزل القرآن بهاتين الآيتين كان الحساب جاري قبل ذلك بمئات السنين ، فالله أنزل هاتين الآيتين ليخبرنا بذلك ، فالحساب لم يكن وليد الساعة ، فالبشرية كانت قد قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال ، وكل حساباتها كانت منبثقة من ظواهر الشمس والقمر والليل والنهار ، ليس استنادا على القرآن ولكن استنادا لهذه الظواهر .
ــ إن الآيتين لا تذكر الكيفية الحسابية ولا كيف نعد السنين أي بمعنى أن الشمس والقمر سيعطيان للإنسان فكرة لعد السنين وفكرة عن الحساب ، فالناس سيمرون حتما بهذا سواء كانوا كفارا أو مؤمنين ، فالآيتين تبين أن الناس سيتعلمون حساب السنين من خلال الشمس والقمر لا إلى رجوعهم إلى القرآن بل من خلال رؤيتهم للشمس والقمر ، وهذا منذ وجود الإنسان على الأرض ، فهو يتعلم كيف يحسب وكيف يعد السنين ، وهكذا كان الأمر ، فالإنسانية مرت عبر هذه المرحلة عبر أطوار عديدة وهي تصحح وتعدل في حساباتها إلى أن استقر الحساب على ما هو عليه اليوم عبر العالم كله ، أما الحسابات الخاطئة للشعوب المتخلفة فلم تطف على السطح وبقيت متسترة هامشية لا تستعمل في الحياة اليومية إلا في بعض المناسبات الموروثة عن الأجداد ليس إلا ، أما الحساب القوي الدقيق الذي أثبت جدارته والذي أجهد فيه أهله بالأبحاث في هذا الميدان فقد رفرف عاليا واعتمدته البشرية جمعاء من شرقها إلى غربها وحتى تلك الشعوب المتخلفة قبلته رغم أنفها ، فلا يمكنها الإستغناء عنه ولا استبداله بما صنعته من جهل وعبث في الحساب .
1 ) معنى الآيتين
إن الآية الأولى التي يقول فيها عز وجل ( ... هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ...) تبين مزايا الشمس والقمر التي تفضل الله بها على عباده ، ومن بين مزايا الشمس والقمر التي يستفاد منها الإنسان ذكر الله ميزتين ، وهما :
ــ الميزة الأولى :
أن الشمس والقمر كل منهما يضيء ، أحدهما يضيء في النهار ، والآخر يضيء في الليل .
ــ الميزة الثانية :
أن أحدهما يظهر في النهار مع كل يوم جديد ، والآخر يظهر في الليل ويمر عبر منازل ، فميزتهما الأخيرة هذه هي التي يستفيد منها الإنسان في تعلمه الحساب وعدد السنين ، فهو يتعلم من الظاهرتين في نفس الوقت ، وهذا هو معنى الآية ، فقوله ( لتعلموا عدد السنين والحساب ) ليس مقتصرا على القمر وحده ، ولا يعود على القمر بتقديره منازل فحسب ، بل يعود على الشطر كله من الآية المتمثل في قوله ( هو الذي جعل الشمس ضياء ، والقمر نورا وقدره منازل ) أي من منافع الشمس والقمر تقديم الضياء والنور وكذلك تعلم الحساب
وعدد السنين وذلك قوله ( لتعلموا عدد السنين والحساب ) فمن الظاهرتين كليهما يتعلم الإنسان عدد السنين والحساب .
معنى الآية الثانية
( ... وجعلنا الليل والنهار آيتين ، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب .. ) هنا في هذه الآية يبين الله مزايا الليل والنهار التي تفضل بهما على عباده ، ومن مزايا الليل أنه يسكن الناس فيه عن الحركة ويخلدون فيه للراحة والنوم ، وذلك معناه ( فمحونا آية الليل ) أي جعلناها مظلمة لتسكنوا فيه ، ومثل ذلك قوله ( هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا )
أما النهار فجعله الله مبصرا ، يبصر فيه الناس ، لماذا ؟ يقول الله ( لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ) فالنهار له ميزتين في هذه الآية
ــ الميزة الأولى
ظهوره يدفع الناس للبحث عن الرزق وذلك قوله ( لتبتغوا فضلا من ربكم )
ــ الميزة الثانية
ظهوره مع كل يوم جديد ، ميزة أخرى يتعلم الناس منها الحساب وعدد السنين وذلك قوله
( لتعلموا عدد السنين والحساب ) وهذه الميزة الأخيرة ممكنة أيضا مع ظهور الليل مع كل يوم جديد ، لكن الراجح هو استعمال النهار بدل الليل ، لذا ذكرتها مع النهار دون الليل .
والملاحظ أن الآية لم تذكر القمر لتعلم عد السنين والحساب ، بل ذكرت الشمس وحدها ، فهي كفيلة بأن يتعلم الإنسان عدد السنين والحساب ، وذكر القمر في الآية الأولى جاء ليعطي الإنسان الفكرة في تقسيم السنة إلى شهور ، ففكرة الشهر جاءت من ظاهرة القمر وهي التي تعمل بها شعوب العالم في مشارق الأرض ومغاربها ، ففكرة الشهر بأن يساوي 30 يوما لم يأت بها ألإنسان من عنده ولا هي تلقائية بل هي منقولة من ظاهرة القمر ، ومن ثم جاء تقسيم السنة إلى 12 شهرا ، وراح الإنسان يتعلم الحساب على إثرها ، فالقمر له وظائف أخرى يقوم بها فلم يكن معدا للحساب فقط ، لذا فإن عدد دوراته لا يتناسب كليا مع دورة السنة فهو لا يساوي 30 يوما ولا 29 يوما ولا 31 يوما بل هو 29 يوما وجزء من اليوم وهذا ما يدفع الإنسان ليتعلم الحساب ، فيتعلم كيف يحافظ على الفكرة أي فكرة الشهور مع القيام بحسابات لتعديلها لتتساوى مع السنة وهذا معنى ( لتعلموا عدد السنين والحساب )
فالعلم هنا منقسم إلى علمين ، علم يخص عدد السنين وعلم آخر يخص الحساب ، فتعلم الحساب المقصود في الآية يعني تتعلموا حسابا على مستوى أعلى بمفهوم الرياضيات حاليا ، وليس معناه حساب 1+1=2
أو 5 + 3 = 8 وليس هذا هو الحساب المراد ، فهذا النوع من الحسابات يتعلمها الإنسان وهو يرعى غنمه فيحسبها في دخولها وخروجها ، ويحسب عددها في بيعها وشرائها ، فهذا النوع من الحسابات يتصادف يوميا في الحياة اليومية ، كم عدد الغنم عنده ، وكم عدد الأبقار وعدد الإبل ، وكم نقص وكم زاد ، وكم باع وكم اشترى ، وما هي أثمان الخضر والفواكه ، وعدد المكاييل والموازين والأثقال وغير ذلك كثير ، ليس هذا الحساب المراد تعلمه ، إنما الحساب الذي سيتعلمه هو الحساب من المستوى الرفيع ، حساب بدائي من عدد الشهور إلى تعديلها إلى تقسيم اليوم 12 ساعة صباحا و 12 ساعة مساء ، فالعدد 12 منقول تدريجيا في الحساب من ظاهرة القمر ، ومن ثم تقسيم الساعة إلى 2 × 30 ثانية منقول تدريجيا من الحسابات السابقة ومن ثم اكتشاف الساعة بناء على هذه الحسابات فأصبح الإنسان مستغن تماما عن الشمس وظهورها ، ومن ثم التفكير تدريجيا في غزو الفضاء بالأقمار الصناعية ، وسميت قمرا صناعيا منقول من فكرة القمر ومن ثم تدريجيا في التنقل عبر الكواكب من القمر إلى المريخ إلى غيره من الكواكب ، هذا هو العلم الذي أراد الله أن يعلمه الإنسان ، وهذه الحسابات هي التي تعمل بها كمبيوترات العالم كله ، فالزمن سواء كان سنة أو يوما أو أي جزء من الوقت فهو مركب دائما من الثانية التي يصنع بها مكروبروسيسور الكمبيوتورات كلها
فهي النبضة التي تنبض بها كل الأجهزات الإلكترونية ، فما من جهاز إلكتروني في العالم إلا وينبض على هذه النبضة التي وحدتها الثانية ، أقول ما من جهاز إلكتروني إلا وينبض على هذه الوحدة التي هي الثانية ، فلا يمكن أن تغير بأن يزاد أو ينقص منها ، لا يمكن أبدا وإلا يحدث خللا على المستوى العالمي لا يمكن أن يصدق
ولا يمكن حتى تخيله ، فمن أين جاءت فكرة الثانية هذه ؟ إنها مستخرجة من ظاهرة القمر كما أوضحت سابقا
أما الشمس فهي التي تعلم الإنسان منها عدد السنين ، فالسنة تعد بالأيام ، وبداية اليوم يبدأ مع بداية الشمس
في ظهورها ، إذن فعدد السنين مرتبط ارتباطا مباشرا بظاهرة الشمس ، فكيف تعرف الناس على عدد أيام السنة إلا من ظاهرة الشمس ، ضع نفسك أمام الواقع لترى أن هذه هي الحقيقة ، أي أن الشمس هي التي مكنت الإنسان من معرفة عدد السنين ، لذا تجدها مذكورة في الآيتين ، فليس القمر هو الذي تعلم الناس منه أيام السنة ، إنما القمر أعطى للناس فكرة تقسيم السنة إلى شهور ، وأما الشمس هي التي تعلم الناس منها عدد أيام السنة ، ولا شك في أن الشمس في تحولها من مكانها في شروقها وغروبها عبر الفصول جعلت الإنسان يفكر في ما يسمى بالنظام الشمسي المعروف حاليا ، وهذا يدفع بحسابات دقيقة ومكثفة للكشف عن نظام مثالي يمكن الإنسان من استعماله لعد السنين واستعماله في الحياة اليومية ، وكان كذلك ، فالنظام الشمسي الحالي مر بأطوار عديدة في الحساب لكي يصل إلى ما هو عليه اليوم ، فلا يظن الإنسان أن هذا النظام جاء ببساطة ، فالناس كانوا يفكرون باستمرار في تحسينه ، وقد أدخلوا عليه تعديلات عديدة لكي يصلوا به إلى هذه النتيجة التي جاءت عن تراكم معرفي عبر مئات السنين ، ومن ثم الدخول في الحسابات المذكورة سابقا التي وصلوا بها إلى غزو الفضاء ، فالعلم الفلكي كله منطلق من ظواهر الليل والنهار والشمس والقمر وذلك معنى
( لتعلموا عدد السنين والحساب ) في كلا الآيتين .